فصل: (سورة الملك: الآيات 22- 24)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الملك: الآيات 16- 19]

{أأمِنْتُمْ منْ فِي السّماءِ أنْ يخْسِف بِكُمُ الْأرْض فإِذا هِي تمُورُ (16) أمْ أمِنْتُمْ منْ فِي السّماءِ أنْ يُرْسِل عليْكُمْ حاصِبا فستعْلمُون كيْف نذِيرِ (17) ولقدْ كذّب الّذِين مِنْ قبْلِهِمْ فكيْف كان نكِيرِ (18) أو لمْ يروْا إِلى الطّيْرِ فوْقهُمْ صافّاتٍ ويقْبِضْن ما يُمْسِكُهُنّ إِلاّ الرّحْمنُ إِنّهُ بِكُلِّ شيْءٍ بصِيرٌ (19)}.
{منْ فِي السّماءِ} فيه وجهان: أحدهما من ملكوته في السماء، لأنها مسكن ملائكته وثم عرشه وكرسيه واللوح المحفوظ، ومنها تنزل قضاياه وكتبه وأوامره ونواهيه. والثاني: أنهم كانوا يعتقدون التشبيه، وأنه في السماء، وأنّ الرحمة والعذاب ينزلان منه، وكانوا يدعونه من جهتها، فقيل لهم على حسب اعتقادهم: أأمنتم من تزعمون أنه في السماء، وهو متعال عن المكان أن يعذبكم بخسف أو بحاصب، كما تقول لبعض المشبهة: أما تخاف من فوق العرش أن يعاقبك بما تفعل، إذا رأيته يركب بعض المعاصي {فستعْلمُون} قرئ بالتاء والياء {كيْف نذِيرِ} أى إذا رأيتم المنذر به علمتم كيف إنذارى حين لا ينفعكم العلم {صافّاتٍ} باسطات أجنحتهن في الجوّ عند طيرانها، لأنهن إذا بسطنها صففن قوادمها صفا {ويقْبِضْن} ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن. فإن قلت: لم قيل: {ويقبضن}، ولم يقل: وقابضات؟ قلت: لأن الأصل في الطيران هو صف الأجنحة، لأنّ الطيران في الهواء كالسباحة في الماء، والأصل في السباحة مدّ الأطراف وبسطها. وأما القبض فطارئ على البسط للاستظهار به على التحرك، فجيء بما هو طار غير أصل بلفظ الفعل، على معنى أنهن صافات، ويكون منهن القبض تارة كما يكون من السابح {ما يُمْسِكُهُنّ إِلّا الرّحْمنُ} بقدرته وبما دبر لهن من القوادم والخوافي، وبنى الأجسام على شكل وخصائص قد تأتى منها الجري في الجو {إِنّهُ بِكُلِّ شيْءٍ بصِيرٌ} يعلم كيف يخلق وكيف يدبر العجائب.

.[سورة الملك: الآيات 20- 21]

{أمّنْ هذا الّذِي هُو جُنْدٌ لكُمْ ينْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرّحْمنِ إِنِ الْكافِرُون إِلاّ فِي غُرُورٍ (20) أمّنْ هذا الّذِي يرْزُقُكُمْ إِنْ أمْسك رِزْقهُ بلْ لجُّوا فِي عُتُوٍّ ونُفُورٍ (21)}.
{أمّنْ} يشار إليه من الجموع ويقال: {هذا الّذِي هُو جُنْدٌ لكُمْ ينْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ} اللّه إن أرسل عليكم عذابه أمّنْ يشار إليه ويقال: {هذا الّذِي يرْزُقُكُمْ إِنْ أمْسك رِزْقهُ} وهذا على التقدير. ويجوز أن يكون إشارة إلى جميع الأوثان لاعتقادهم أنهم يحفظون من النوائب ويرزقون ببركة آلهتهم، فكأنهم الجند الناصر والرازق. ونحوه قوله تعالى: {أمْ لهُمْ آلِهةٌ تمْنعُهُمْ مِنْ دُونِنا}. {بلْ لجُّوا فِي عُتُوٍّ ونُفُورٍ} بل تمادوا في عناد وشراد عن الحق لثقله عليهم فلم يتبعوه.

.[سورة الملك: الآيات 22- 24]

{أفمنْ يمْشِي مُكِبّا على وجْهِهِ أهْدى أمّنْ يمْشِي سوِيّا على صِراطٍ مُسْتقِيمٍ (22) قُلْ هُو الّذِي أنْشأكُمْ وجعل لكُمُ السّمْع والْأبْصار والْأفْئِدة قلِيلا ما تشْكُرُون (23) قُلْ هُو الّذِي ذرأكُمْ فِي الْأرْضِ وإِليْهِ تُحْشرُون (24)}.
يجعل (أكب) مطاوع (كبه) يقال: كببته فأكب، من الغرائب والشواذ. ونحوه: قشعت الريح السحاب فأقشع، وما هو كذلك، ولا شيء من بناء أفعل مطاوعا، ولا يتقن نحو هذا إلا حملة كتاب سيبويه، وإنما (أكب) من باب (انفض، وألأم) ومعناه: دخل في الكب، وصار ذاكب، وكذلك أقشع السحاب: دخل في القشع. ومطاوع كب وقشع: انكب وانقشع.
فإن قلت: ما معنى {يمْشِي مُكِبّا على وجْهِهِ}؟ وكيف قابل {يمْشِي سوِيّا على صِراطٍ مُسْتقِيمٍ}؟
قلت: معناه: يمشى معتسفا في مكان معتاد غير مستوفيه انخفاض وارتفاع، فيعثر كل ساعة فيخر على وجهه منكبا، فحاله نقيض حال من يمشى سويا، أى: قائما سالما من العثور والخرور. أو مستوى الجهة قليل الانحراف خلاف المعتسف الذي ينحرف هكذا وهكذا على طريق مستو. ويجوز أن يراد الأعمى الذي لا يهتدى إلى الطريق فيعتسف، فلا يزال ينكب على وجهه، وأنه ليس كالرجل السوي الصحيح البصر الماشي في الطريق المهتدى له، وهو مثل للمؤمن والكافر. وعن قتادة: الكافر أكب على معاصى اللّه تعالى فحشره اللّه يوم القيامة على وجهه. وعن الكلبي: عنى به أبو جهل بن هشام. وبالسوىّ: رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم، وقيل: حمزة بن عبد المطلب.

.[سورة الملك: الآيات 25- 27]

{ويقولون متى هذا الْوعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِين (25) قُلْ إِنّما الْعِلْمُ عِنْد اللّهِ وإِنّما أنا نذِيرٌ مُبِينٌ (26) فلمّا رأوْهُ زُلْفة سِيئتْ وُجُوهُ الّذِين كفرُوا وقِيل هذا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ تدّعُون (27)}.
{فلمّا رأوْهُ} الضمير للوعد. والزلفة: القرب، وانتصابها على الحال أو الظرف، أى:
رأوه ذا زلفة أو مكانا ذا زلفة {سِيئتْ وُجُوهُ الّذِين كفرُوا} أى ساءت رؤية الوعد وجوههم: بأن عليها الكآبة وغشيها الكسوف والقترة، وكلحوا، وكما يكون وجه من يقاد إلى القتل أو يعرض على بعض العذاب وقِيل القائلون: الزبانية {تدّعُون} تفتعلون من الدعاء، أى: تطلبون وتستعجلون به. وقيل: هو من الدعوى، أى: كنتم بسببه تدعون أنكم لا تبعثون. وقرئ: {تدعون}. وعن بعض الزهاد: أنه تلاها في أول الليل في صلاته، فبقى يكررها وهو يبكى إلى أن نودي لصلاة الفجر، ولعمري إنها لوقاذة لمن تصور تلك الحالة وتأملها.

.[سورة الملك: آية 28]

{قُلْ أرأيْتُمْ إِنْ أهْلكنِي اللّهُ ومنْ معِي أوْ رحِمنا فمنْ يُجِيرُ الْكافِرِين مِنْ عذابٍ ألِيمٍ (28)}.
كان كفار مكة يدعون على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين بالهلاك، فأمر بأن يقول لهم: نحن مؤمنون متربصون لإحدى الحسنيين: إما أن نهلك كما تتمنون فننقلب إلى الجنة، أو نرحم بالنصرة والإدالة للإسلام كما نرجو، فأنتم ما تصنعون؟ من يجيركم- وأنتم كافرون- من عذاب النار؟ لابد لكم منه، يعنى: إنكم تطلبون لنا الهلاك الذي هو استعجال للفوز والسعادة، وأنتم في أمر هو الهلاك الذي لإهلاك بعده، وأنتم غافلون لا تطلبون الخلاص منه. أو إن أهلكنا اللّه بالموت فمن يجيركم بعد موت هداتكم، والآخذين بحجزكم من النار، وإن رحمنا بالإمهال والغلبة عليكم وقتلكم فمن يجيركم، فإنّ المقتول على أيدينا هالك. أو إن أهلكنا اللّه في الآخرة بذنوبنا ونحن مسلمون، فمن يجير الكافرين وهم أولى بالهلاك لكفرهم، وإن رحمنا بالإيمان فمن يجير من لا إيمان له.

.[سورة الملك: آية 29]

{قُلْ هُو الرّحْمنُ آمنّا بِهِ وعليْهِ توكّلْنا فستعْلمُون منْ هُو فِي ضلالٍ مُبِينٍ (29)}.
فإن قلت: لم أخر مفعول {آمنا} وقدم مفعول {توكلنا}؟ قلت: لوقوع {آمنا} تعريضا بالكافرين حين ورد عقيب ذكرهم، كأنه قيل: آمنا ولم نكفر كما كفرتم، ثم قال: {وعليه توكلنا} خصوصا لم نتكل على ما أنتم متكلون عليه من رجالكم وأموالكم.

.[سورة الملك: آية 30]

{قُلْ أرأيْتُمْ إِنْ أصْبح ماؤُكُمْ غوْرا فمنْ يأْتِيكُمْ بِماءٍ معِينٍ (30)}.
{غوْرا} غائرا ذاهبا في الأرض. وعن الكلبي لا تناله الدلاء، وهو وصف بالمصدر كعدل ورضا. وعن بعض الشطار أنها تليت عنده فقال: تجيء به الفئوس والمعاول، فذهب ماء عينيه، نعوذ باللّه من الجرأة على اللّه وعلى آياته.
عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الملك فكأنما أحيا ليلة القدر». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {تبارك الذي بيدِهِ المُلْكُ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن التبارُك تفاعُل من البركة، قاله ابن عباس. وهو أبلغ من المبارك لاختصاص اللّه بالتبارك واشتراك المخلوقين في المبارك.
الثاني: أي تبارك في الخلق بما جعل فيهم من البركة، قاله ابن عطاء.
الثالث: معناه علا وارتفع، قاله يحيى بن سلام.
وفي قوله: {الذي بيده الملك} وجهان:
أحدهما: ملك السموات والأرض في الدنيا والآخرة.
الثاني: ملك النبوة التي أعزّ بها من اتبعه وأذل بها من خالفه، قاله محمد بن إسحاق.
{وهو على كُلِّ شيء قديرٌ} من إنعام وانتقام.
{الذي خلق الموت والحياة} يعني الموت في الدنيا، والحياة في الآخرة.
قال قتادة: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: «إن اللّه أذل بني آدم بالموت، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء».
الثاني: أنه خلق الموت والحياة جسمين، فخلق الموت في صورة كبش أملح، وخلق الحياة في صورة فرس أنثى بلقاء، وهذا مأثور حكاه الكلبي ومقاتل.
{لِيبْلُوكم أيُّكم أحْسنُ عملا} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: أيكم أتم عقلا، قاله قتادة.
الثاني: أيكم أزهد في الدنيا، قاله سفيان.
الثالث: أيكم أورع عن محارم اللّه وأسرع إلى طاعة اللّه، وهذا قول مأثور.
الرابع: أيكم للموت أكثر ذِكْرا وله أحسن استعدادا ومنه أشد خوفا وحذرا، قاله السدي.
الخامس: أيكم أعرف بعيوب نفسه.
ويحتمل سادسا: أيكم أرضى بقضائه وأصبر على بلائه.
{الذي خلق سبْع سمواتٍ طِباقا} فيه وجهان:
أحدهما: أي متفق متشابه، مأخوذ من قولهم هذا مطابق لهذا أي شبيه له، قاله ابن بحر.
الثاني: يعني بعضهن فوق بعض، قال الحسن: وسبع أرضين بعضهن فوق بعض، بين كل سماء وأرض خلق وأمر.
{ما ترة في خلْق الرحمنِ من تفاوُتٍ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: من اختلاف، قاله قتادة، ومنه قول الشاعر:
متفاوتات من الأعنة قطّبا ** حتى وفي عشية أثقالها.

الثاني: من عيب، قاله السدي.
الثالث: من تفرق، قاله ابن عباس.
الرابع: لا يفوت بعضه بعضا، قاله عطاء بن أبي مسلم.
قال الشاعر:
فلستُ بمُدْركٍ ما فات مِنِّي ** بِلهْف ولا بِليْت ولا لو أنِّي

{فارْجِع البصر} قال قتادة: معناه فانظر إلى السماء.
{هل ترى من فُطور} فيه أربعة أوجه:
أحدها: من شقوق، قاله مجاهد والضحاك.
الثاني: من خلل، قاله قتادة.
الثالث: من خروق قاله السدي.
الرابع: من وهن، قاله ابن عباس.
{ثم ارْجع البصر كرّتيْنِ} أي انظر إلى السماء مرة بعد أخرى.
ويحتمل أمره بالنظر مرتين وجهين:
أحدهما: لأنه في الثانية أقوى نظرا وأحدّ بصرا.
الثاني: لأنه يرى في الثانية من سير كواكبها واختلاف بروجها ما لا يراه من الأولى فيتحقق أنه لا فطور فيها.
وتأول قوم بوجه ثالث: أنه عنى بالمرتين قلبا وبصرا.
{ينْقلِبْ إليك البصرُ خاسئا وهو حسيرٌ} أي يرجع إليك البصر لأنه لا يرى فطورا فيرتد.
وفي {خاسئا} أربعة أوجه:
أحدها: ذليلا، قاله ابن عباس.
الثاني: منقطعا، قاله السدي.
الثالث: كليلا، قاله يحيى بن سلام.
الرابع: مبعدا، قاله الأخفش مأخوذ من خسأت الكلب إذا أبعدته.
وفي {حسير} ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه النادم، ومنه قول الشاعر:
ما أنا اليوم على شيء خلا ** يا ابنة القيْنِ تولّى بحسيرْ

الثاني: أنه الكليل الذي قد ضعف عن إدراك مرآه، قاله ابن عباس ومنه قول الشاعر:
منْ مدّ طرْفا إلى ما فوق غايته ** ارتدّ خسْآن مِنه الطّرْفُ قد حسِرا

والثالث: أنه المنقطع من الإعياء، قاله السدي، ومنه قول الشاعر:
والخيلُ شُعثٌ ما تزال جيادها ** حسْرى تغادرُ بالطريق سخالها

{إذا أُلقُوا فيها} يعني الكفار ألقوا في جهنم.
{سمعوا لها شهيقا} فيه قولان:
أحدهما: أن الشهيق من الكفار عند إلقائهم في النار.
الثاني: أن الشهيق لجهنم عند إلقاء الكفار فيها، قال ابن عباس: تشهق إليهم شهقة البغلة للشعير ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف.
وفي الشهيق ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الشهيق في الصدور، قاله الربيع بن أنس.
الثاني: أنه الصياح، قاله ابن جريج.
الثالث: أن الشهيق هو آخر نهيق الحمار، والزفير مثل أول نهيق الحمار، وقيل إن الزفير من الحلق، والشهيق من الصدر.
{وهي تفورُ} أي تغلي، ومنه قول الشاعر:
تركتم قِدْركم لا شيء فيها ** وقِدْرُ القوم حاميةٌ تفورُ

{تكادُ تميّزُ مِن الغيْظِ...} فيه وجهان:
أحدهما: تنقطع، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: تتفرق، قاله ابن عباس والضحاك.
وقوله: {من الغيط} فيه هاهنا وجهان:
أحدهما: أنه الغليان، قال الشاعر:
فيا قلب مهلا وهو غضبان قد غلا ** من الغيظ وسط القوم ألا يثبكا

الثاني: أنه الغضب، يعني غضبا على أهل المعاصي وانتقاما للّه منهم.
{ألمْ يأتِكم نذيرٌ} فيه وجهان:
أحدهما: أن النذر من الجن، والرسل من الإنس، قاله مجاهد.
الثاني: أنهم الرسل والأنبياء، واحدهم نذير، قاله السدي.
{فسُحْقا لأصحاب السّعيرٍ} فيه وجهان:
أحدهما: فبعدا لأصحاب السعير يعني جهنم، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه وادٍ من جهنم يسمى سحقا، قاله ابن جبير وأبو صالح، وفي هذا الدعاء إثبات لاستحقاق الوعيد.
{إنّ الذين يخْشوْن ربهم بالغيْبِ} فيه ستة أوجه:
أحدها: أن الغيب اللّه تعالى وملائكته، قاله أبو العالية.
الثاني: الجنة والنار، قاله السدي.
الثالث: أنه القرآن، قاله زر بن حبيش.
الرابع: أنه الإسلام لأنه يغيب، قاله إسماعيل بن أبي خالد.
الخامس: أنه القلب، قاله ابن بحر.
السادس: أنه الخلوة إذا خلا بنفسه فذكر ذنبه استغفر ربه، قاله يحيى بن سلام.
{لهم مغْفرةٌ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: بالتوبة والاستغفار.
الثاني: بخشية ربهم بالغيب.
الثالث: لأنهم حلّوا باجتناب الذنوب محل المغفور له.
{وأجرٌ كبيرٌ} يعني الجنة.
ويحتمل وجها آخر: أنه العفو عن العقاب ومضاعفة الثواب.
{هو الذي جعل لكم الأرْض ذلولا} يعني مذللة سهلة.
حكى قتادة عن أبي الجلد: أن الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ، فللسودان اثنا عشر ألفا، وللروم ثمانية آلاف، وللفرس ثلاثة آلاف وللعرب ألف. {فامْشُوا في مناكِبِها} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: في جبالها، قاله ابن عباس وقتادة وبشير بن كعب.
الثاني: في أطرفاها وفجاجها، قاله مجاهد والسدي.
الثالث: في طرفها.
ويحتمل رابعا: في منابت زرعها وأشجارها، قاله الحسن.
{وكُلوا مِن رِزْقِهِ} فيه وجهان:
أحدهما: مما أحله لكم، قاله الحسن.
الثاني: مما أنبته لكم، قاله ابن كامل.
{وإليه النشور} أي البعث.
{أأمِنتُم منْ في السماءِ} فيه وجهان:
أحدهما: أنهم الملائكة، قاله ابن بحر.
الثاني: يعني أنه اللّه تعالى، قاله ابن عباس.
{أنْ يخْسِف بكم الأرض فإذا هي تمورُ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: تتحرك، قاله يحيى.
الثاني: تدور، قاله قطرب وابن شجرة.
الثالث: تسيل ويجري بعضها في بعض، قاله مجاهد، ومنه قول الشاعر:
رميْن فأقصدْن القلوب ولن ترى ** دما مائرا إلا جرى في الخيازم

{أفمن يْمشيِ مُكِبّا على وجْهِه أهْدى} هذا مثل ضربه اللّه تعالى للهدى والضلالة، ومعناه ليس من يمشي مُكبا على وجهه ولا ينظر أمامه ولا يمينه ولا شماله. كمن يمشي سويا معتدلا ناظرا ما بين يديه وعن يمينه وعن شماله، وفيه وجهان:
أحدهما: أنه مثل ضربه اللّه للمؤمن والكافر، فالمكب على وجهه الكافر يهوي بكفره، والذي يمشي سوّيا المؤمن يهتدي بإيمانه، ومعناه: أمّن يمشي في الضلالة أهدى أم من يمشي مهتديا، قاله ابن عباس.
الثاني: أن المكب على وجهه أبو جهل بن هشام، ومن يمشي سويا عمار بن ياسر، قاله عكرمة.
{على صراطٍ مستقيم} فيه وجهان:
أحدهما: أن الطريق الواضح الذي لا يضل سالكه، فيكون نعتا للمثل المضروب.
الثاني: هو الحق المستقيم، قاله مجاهد، فيكون جزاء العاقبة الاستقامة وخاتمة الهداية.
{قُلْ هو الذي ذرأكُمْ في الأرضِ} فيه وجهان:
أحدهما: خلقكم في الأرض، قاله ابن عباس.
الثاني: نشركم فيها وفرّقكم على ظهرها، قاله ابن شجرة.
ويحتمل ثالثا: أنشأكم فيها إلى تكامل خلقكم وانقضاء أجلكم.
{وإليهِ تُحْشرون} أي تُبْعثون بعد الموت.
{فلما رأوْه زُلْفة سِيئتْ وُجوهُ الذين كفروا} فيه وجهان:
أحدهما: ظهرت المساءة على وجوههم كراهة لما شاهدوا، وهو معنى قول مقاتل.
الثاني: ظهر السوء في وجهوههم ليدل على كفرهم، كقوله تعالى: {يوم تبيضُّ وجوه وتسْودُّ وجوه} [آل عمران: 106].
{وقيل هذا الذي كُنْتُمْ به تدّعُون} وهذا قول خزنة جهنم لهم، وفي قوله: {كنتم به تدّعون} أربعة أوجه:
أحدها: تمترون فيه وتختلفون، قاله مقاتل.
الثاني: تشكّون في الدنيا وتزعمون أنه لا يكون، قاله الكلبي.
الثالث: تستعجلون من العذاب، قاله زيد بن أسلم.
الرابع: أنه دعاؤهم بذلك على أنفسهم، وهو افتعال من الدعاء، قاله ابن قتيبة.
{قُلْ أرأيْتُمْ إنْ أصْبح ماؤكم غُوْرا} فيه وجهان:
أحدهما: ذاهبا، قاله قتادة.
الثاني: لا تناله الدِّلاء، قاله ابن جبير، وكان ماؤهم من بئر زمزم وبئر ميمون.
{فمنْ يأتيكم بماءٍ معِينٍ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أن معناه العذب، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه الطاهر، قاله الحسن وابن جبير ومجاهد.
الثالث: أنه الذي تمده العيون فلا ينقطع.
الرابع: أنه الجاري، قاله قتادة، ومنه قول جرير:
إنّ الذين غدوا بُلبِّك غادروا ** وشلا بعيْنِك لا يزال معِينا

روى عاصم عن رُزين عن ابن مسعود قال: سورة الملك هي المانعة من عذاب القبر، وهي في التوراة تسمى المانعة، وفي الإنجيل تسمى الواقية، ومن قرأها من كل ليلة فقد أكثر وأطاب. اهـ.